الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وتوفي الأمير سيف الدين يلبغا بن عبد الله البهائي الظاهري نائب الإسكندرية بها في يوم الخميس ثالث عشر جمادى الأولى وهو في عشر السبعين. وكان أصلًا من مماليك الملك الظاهر برقوق وكان يعرف بيلبغا قراجا لأنه كان أسمر اللون تركي الجنس. وكان تأمر قديمًا إمرة عشرة ودام على ذلك سنين إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة طبلخاناه والحجوبية الثانية عوضا عن أسنبغا الطياري ثم ولاه نيابة الإسكندرية إلى أن مات بها. وكان من خيار الناس عقلًا ودينًا وسكونًا وعفة مع مشاركه في الفقه وغيره ويكتب الخط المنسوب وكان فصيحًا باللغة العربية حلو الكلام جيد المحاضرة يذاكر بالأيام السالفة مذاكرة حسنة لذيذة وهو أحد من أدركناه من النوادر في معناه رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين قطج بن عبد الله من تمراز الظاهري بطالًا بالقاهرة في يوم الاثنين ثامن عشرين شهر رمضان. وكان أصله من أصاغر مماليك الظاهر برقوق وتأمر أيضًا - بعد موت الملك المؤيد شيخ - عشرة ثم ترقى إلى أن صار في الدولة الأشرفية أمير مائة ومقدم ألف ودام على ذلك سنين إلى أن أمسكه الأشرف وسجنه بثغر الإسكندرية مدة ثم أفرج عنه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بحلب ثم نقله إلى أتابكية حلب بعد نقل قاني باي البهلوان إلى أتابكية دمشق بحكم وفاة تغري بردي المحمودي بآمد فدام على ذلك سنين إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق فقم القاهرة واستعفى من أتابكية حلب فأعفي يريد بذلك أن يكون من جملة أمراء مصر فلم يكترث الملك الظاهر بأمره ودام بطالًا إلى أن مات. وكان يتمفقر في حياته ويطلب من الأمراء فلما مات ظهر له مال كبير فأخذه من يستحقه. ولله در أبي الطيب المتنبي فيما قال في هذا المعنى: الطويل وتوفي الأمير سيف الدين سودون الظاهري المغربي أحد أمراء العشرات والحجاب ثم نائب ثغر دمياط بطالًا بالقدس وكان أيضًا من مماليك الملك الظاهر برقوق وتأمر عشرة وصار من جملة الحجاب في الدولة الأشرفية برسباي ثم ولي نظر القدس في بعض الأحيان ثم ولي نيابة دمياط إلى أن أمسكه الملك الظاهر وحبسه مدة ثم أخرجه إلى القدس بطالًا إلى أن مات. وكان دينًا خيرًا عفيفًا عن القاذورات عارفًا بأنواع الفروسية باجتهاده فكان خطأه فيه أكثر من صوابه. وكان يتفقه ويكثر من الاشتغال دائمًا لا سيما لما اشتغل في النحو فضيع فيه زمانه ولم يحصل على طائل لقصر فهمه وعدم تصوره. وكان يلح في المسائل الفقهية ويبحث فيها أشهرًا ولا يرضى إلا بجواب سمعه قديمًا من كائن من كان وكان هذا سبب نفيه فإنه بحث مرة مع الأمير بكتمر السعدي بحثًا فأجابه بكتمر بالصواب فلم يرض بذلك سودون هذا وألح في السؤال على عادته فنهره الملك الظاهر جقمق وهو يوم ذاك أمير آخور. وقال له: " أنت حمار! " واحتد عليه فقال سودون: العلم ليس هو بالإمرة وإنما هو بالأعلم ". فحنق الملك الظاهر منه أكثر وأكثر وانفض المجلس. وكان فيه أنواع ظريفة في حكمه بين الناس منها أنه يتحقق في عقله أن الحق لا يزال مع الضعيف من الناس وأن القوي لا يزال يجبر الضعيف فصار كلما دخل إليه خصمان فينظر إليهما فيكون أحد الأخصام جنديًا والآخر فلاحًا والحق مع الجندي فلا يزال سودون يميل مع الفلاح ويقوي كلامه وحجته ويوهي كلام الجندي ودعواه حتى يسأل الجندي في المصالحة أو يأخذ فلاحه ويذهب إن كان له شوكة هذا بعد أن يوبخ الجندي ويعظه ويحذره عقوبة الله عز وجل ويذكر لا أفعال أبناء جنسه من المماليك. وكان عنده كثرة كلام مع نشوفة ولهذا سمي بالمغربي. فلما تكرر منه ذلك وعرف الناس طبعه ترامى الضعفاء عليه من الأماكن البعيدة فانتفع به أناس وتضرر به آخرون على أنه كان غالب اجتهاده في خلاص الحق على قدر ما تصل قدرته إليه رحمه الله تعالى. وتوفي قاضي قضاة حلب علاء الدين علي بن محمد بن سعد بن محمد بن علي بن عثمان الحلبي الشافعي قاضي حلب وعالمها ومؤرخها المعروف بابن خطيب الناصرية في ليلة الثلاثاء تاسع ذي القعدة بحلب. ومولده في سنة أربع وسبعين وسبعمائة وكان إمامًا عالمًا بارعًا في الفقه والأصول والعربية والحديث والتفسير وأفتى وعرس بحلب سنين وتولى قضاءها وقدم القاهرة غير مرة. وله مصنفات منها: كتابه المسمى بالمنتخب في تاريخ حلب ذيله على تاريخ ابن العديم لكنه لم يسلك فيه ما شرطه في الاقتداء بابن العديم وسكت عن خلائق من أعيان العصر ممن ورد إلى حلب حتى قال بعض الفضلاء: " هذا ذيل قصير إلى الركبة ". وكان سامحه الله مع فضله وعلمه يتساهل في تناول معالمه في الأوقاف بشرط الواقف وبغير شرط الواقف وكان له وظائف ومباشرة في جامع الوالد بحلب فكان يأخذ استحقاقه واستحقاق غيره وكان له طولة روح واحتمال زائد لسماع المكروه بسبب ذلك وهو على ما هو عليه ولسان حاله يقول: " لا بأس بالذل في تحصيل المال. وكان يتولى القضاء بالبذل ويخدم أرباب الدولة بأموال كثيرة. وملخص الكلام أنه كان عالمًا غير مشكور السيرة وكان به صمم خفيف. وتوفي قاضي المدينة النبوية جمال الدين محمد بن أحمد بن محمد بن محمود بن إبراهيم بن أحمد الكازروني الأصل المدني المولد والمنشأ والوفاة الشافعي في يوم الأربعاء عاشر ذي القعدة ودفن بالبقيع ومولده سنة سبع وخمسين وسبعمائة. وكان بارعًا في الفقه وله مشاركة في غيره وتولى قضاء المدينة في بعض الأحيان ثم ترك ذلك ولزم العلم إلى أن مات. وتوفي مجد الدين ماجد بن النخال الأسلمي القبطي كاتب المماليك السلطانية في ليلة السبت سادس ذي الحجة. وكان أصله من نصارى مصر القديمة وخدم في عدة جهات وهو على دين النصرانية ودام على ذلك إلى أن أكرهه الأمير نوروز الحافظي على الإسلام فأظهر الإسلام وأبقى جميع ما عنده من النسوة والخدم على دين النصرانية. وهو والد فرج بن النخال وزير زماننا هذا وأستاداره ثم قدم ماجد عند الأمير جقمق الدوادار ثم ترقى إلى أن ولي كتابة المماليك السلطانية سنين إلى أن مات. وكان فيه مروءة وخدمة لأصحابه وأما غير ذلك فالسكات أجمل. وما أظرف ما قال الشيخ تقي الدين المقريزي رحمه الله لما ذكر وفاته بعد كلام طويل إلى أن قال: " وكان لا دين ولا دنيا ".
: الماء القديم أربعة أذرع وعشرة أصابع مبلغ الزيادة: عشرون ذراعًا وأحد عشر إصبعًا. السنة الثالثة من سلطنة الظاهر جقمق وهي سنة أربع وأربعين وثمانمائة. فيها توفي الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير صارم الدين إبراهيم ابن الأمير الوزير منجك اليوسفي بدمشق في يوم الأحد خامس عشر شهر ربيع الأول وهو في عشر السبعين. وكان مولده بدمشق وأعطي بها إمرة في دولة الملك المؤيد شيخ وحظي عنده إلى الغاية ثم صار على منزلته في الرفعة وأعظم عند الملك الأشرف برسباي حتى إنه كان يجلس فوق أمير سلاح. وكان إذا حضر مجلس السلطان لا يتكلم السلطان مع غيره إلا لحاجة إجلالًا له. وكان يقدم القاهرة في كل سنة مرة في مبادئ فصل الشتاء ثم يعود إلى دمشق في مبادئ فصل الصيف وفي الجملة أنه كان محظوظًا من الملوك إلى الغاية من غير أمر يوجب ذلك. وقد حاضرته كثيرًا في مبادئ عمري فلم أجد له معرفة بعلم من العلوم ولا فن من الفنون غير لعب الكرة وأنواع الصيد بالجوارح فقط والمال الكثير مع بخل وشح زائد يضرب به المثل وكنت أراه يكثر السكوت فأقول: " هذا لغزير عقله " وإذا له من قلة رأس ماله. . وقد حكى لي عنه بعض أكابر أعيان المملكة قال: لما خرج قاني باي نائب الشأم عن طاعة المؤيد وعلم بذلك أعيان أهل دمشق اجتمعوا بمكان يشتورون فيما يفعلون لئلا يقبض عليهم قاني باي المذكور وهم مثل: القاضي نجم الدين بن حجي والقاضي شهاب الدين بن الكشك والشريف شهاب الدين وخواجه شمس الدين بن المزلق وابن مبارك شاه وابن منجك وجماعة أخر من الأمراء وغيرهم فأخذ ابن منجك يتكلم فقال له القاضي شهاب الدين بن الكشك متهكمًا عليه في الباطن: " يا أمير محمد أنت رجل غزير العقل والرأي ونحن ضعفاء العقول. لا تكلمنا على قدر عقلك وإنما تحدث معنا بقدر عقولنا " فقال ابن منجك المذكور: " إذًا لا أحدثكم إلا على قدر عقولكم ". فقالوا: " الآن تعمل المصلحة ". وتكلموا فيما هم بصدده. قلت: هذا هو الغاية في الجهل والتفنن في الجنون فإن كل واحد ممن كان اجتمع في ذلك المجلس يمكن أن يدبر مملكة سلطان وينفذ أموره على أحسن وجه - انتهى. وتوفي قاضي القضاة شيخ الإسلام محب الدين أبو الفضل أحمد ابن الشيخ الإمام العلامة جلال الدين نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر التستري الأصل البغدادي الحنبلي قاضي قضاة الديار المصرية وعالم السادة الحنابلة في زمانه قي يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى بالقاهرة وهو قاض وتولى بعده قاضي القضاة بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادي. وكان مولد القاضي محب الدين ببغداد في شهر رجب سنة خمس وخمسين وسبعمائة. واشتغل بها وتفقه. وقدم القاهرة في أول القرن واشتغل بها حتى برع في الفقه وأصوله والحديث والعربية والتفسير وتصدى للإفتاء والتدريس سنين وناب في الحكم بالقاهرة عن القاضي علاء الدين بن مغلي وبرع حتى صار المعول على فتواه. ثم ولي قضاء الحنابلة بعد موت قاضي القضاة علاء الدين بن مغلي في يوم الاثنين سابع عشرين صفر سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ودام في الوظيفة إلى أن عزل بالقاضي عز الدين عبد العزيز بن علي بن العز البغدادي في ثالث عشر جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين فلم تطل ولاية عز الدين وعزل وأعيد القاضي محب الدين هذا في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر سنة ثلاثين واستمر قاضيًا إلى أن مات. وقد ذكرنا أحواله ومشايخه في تاريخنا " المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي " بأوسع من هذا فلينظر هناك. وتوفي سعد الدين إبراهيم القبطي المصري المعروف بابن المرة في يوم الخميس عاشر شهر ربيع الآخر بالقاهرة وهو في عشر السبعين بعد أن افتقر واحتاج إلى السؤال. وكان ولي نظر ديوان المفرد في الأيام الأشرفية برسباي ونظر بندر جدة سنين كثيرة وحصل له ثروة وعز وجاه ثم زال عنه ذلك كله ومات فقيرًا صدق عليه بالكفن. وتوفي الأمير ناصر الدين محمد المرداوي المعروف بابن بوالي وهو اسم كردي غير كنية. مات بدمشق بعد أن ولي أستادارية السلطان بالديار المصرية ثم عزل وولي أستادارية السلطان بدمشق إلى أن مات. وقد تقدم ذكره في ترجمة الملك الأشرف برسباي عندما ولي الأستادارية عوضًا عن أرغون شاه النوروزي وكان من الظلمة يقضي عمره في مظالم العباد. وتوفي الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله المرقبي المؤيدي أحد أمراء الألوف بالديار المصرية في يوم الاثنين عاشر شهر رجب. وكان من كبار مماليك الملك المؤيد شيخ من أيام جنديته ورقاه بعد سلطنته وعمله نائب قلعة حلب ثم أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية ثم ولاه حجوبية الحجاب إلى أن أمسكه الأمير ططر مع من أمسك من أمراء المؤيدية وحبس مدة ثم أطلق. ودام بطالًا دهرًا طويلًا إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة مائة وتقدمة ألف بمصر في أوائل دولته فدام على ذلك إلى أن مات رحمه الله تعالى. وتوفي زين الدين قاسم البشتكي في يوم السبت ثاني شهر رجب. وكان يتفقه ويترأس. وتزوج بنت الأشرف شعبان. وكان مقربًا من الملوك. وهو من مقولة ابن منجك في نوع من الأنواع غير أنه كانت لديه فضيلة بالنسبة إلى ابن منجك. وتوفي الأمير سيف الدين ممجق بن عبد الله النوروزي أحد أمراء العشرات ونائب قلعة الجبل في يوم مستهل شهر رجب. وكان أصله من مماليك الأمير نوروز الحافظي واتصل بخدمة السلطان فدام على ذلك دهرًا طويلًا لا يلتفت إليه إلى أن أمره الملك الظاهر جقمق عشرة وجعله نائب قلعة الجبل فاستمر على وظيفته إلى أن مات. وكان لا ذات ولا أدوات. وتولى تغري برمش الجلالي المؤيدي الفقيه نيابة قلعة الجبل بعده وأنعم عليه أيضًا بإمرته. وتوفي القاضي شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن رسلان البلقيني الشافعي المعروف بالعجيمي قاضي المحلة في يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى. وكان من فضلاء الشافعية وتولى قضاء المحلة سنين. وتوفي الأمير الطواشي صفي الدين جوهر بن عبد الله القنقبائي الخازندار والزمام في ليلة الاثنين أول شعبان وله نحو سبعين سنة ودفن بمدرسته التي أنشأها بجوار جامع الأزهر قبل أن تتم. وكان أصله من خدام الأمير قنقباي الإلجائي اللالا. ثم خدم بعد موت أستاذه عند خوند قنقباي أم الملك المنصور عبد العزيز ثم من بعدها عند جماعة أخر ثم اتصل بخدمة علم الدين داؤد بن الكويز ودام عنده إلى أن مات. وبخدمته حسنت حاله ثم صار بعد ذلك بطالًا إلى أن نوه بذكره صاحبه جوهر اللالا ولا زال يعظم أمره عند الملك الأشرف برسباي إلى أن طلبه وولاه خازندارًا دفعة واحدة بعد خشقدم الظاهري الرومي ولم تسبق لجوهر المذكور قبل ولايته الخازندارية رئاسة في بيت السلطان فباشر الخازندارية بعقل وتدبير ورأي في الوظيفة وناله من العز والجاه ونفوذ الكلمة ما لم ينله طواشي قبله فيما رأينا. ومات الملك الأشرف وهو على وظيفته لحسن سياسته. ثم أضاف إليه الملك الظاهر جقمق وظيفة الزمامية بعد عزل فيروز الجاركسي لما تسحب الملك العزيز يوسف من الدور السلطانية حسبما تقدم ذكره. واستمر على وظيفة الزمامية والخازندارية إلى أن مات من غير نكبة. ولم يخفف مالًا له جرم بالنسبة لمقامه فعظم ذلك على الملك الظاهر فإنه كان في عزمه أخذ ماله بوجه من الوجوه ونظر جوهر بذلك وأدركته منيته ومات من غير أن يعلم أحدًا بماله. وكان جوهر عفيفًا دينًا عاقلًا مدبرًا سيوسًا فاضلًا يقرأ القرآن الكريم بالسبع وله صدقات ومعروف في أنه دخل في الدنيا واقتحم منها جانبًا كبيرًا وصار من المخلطين. وهو أحد من أدركناه من عقلاء الخدام. وتوفي القاضي شرف الدين أبو بكر بن سليمان الأشقر المعروف بابن العجمي الحلبي الأصل والمولد والمنشأ المصري الدار والوفاة نائب كاتب السر الشريف بالديار المصرية في يوم الأربعاء تاسع شهر رمضان وهو في عشر الثمانين بعد أن رشح لوظيفة كتابة سر مصر غير مرة فلم يقبل ثم ولاه الملك الأشرف كتابة سر حلب على كره منه عوضًا عن زين الدين عمر بن السفاح فباشر ذلك مدة ثم عزل بعد أن استعفى وأعيدت إليه وظيفته نيابة كتابة السر وولي كتابة سر حلب عوضه ولده القاضي فعين الدين عبد اللطيف. وكان شرف الدين المذكور رجلًا عاقلًا سيوسًا عارفًا بصناعة الإنشاء قام بأعباء ديوان الإنشاء عدة سنين وخدم عدة ملوك وكان مقربًا من خواطرهم محببًا إليهم رحمه الله تعالى. وتوفي شمس الدين محمد بن شعبان في حادي عشرين شوال عن نيف وستين سنة بعد أن ولي حسبة القاهرة بالسعي مرارًا كثيرة وكان عاميًا يتزيا بزي الفقهاء. حدثني من لفظه قال: " وليت حسبة القاهرة نيفًا وعشرين مرة " فقلت له: " هذا هجو في حقك لا تتكلم به بعد ذلك لأنك تسعى وتلي ثم تعزل بعد أيام قلائل وتكرر لك ذلك غير مرة فهذا مما يدل على عدم اكتراث أهل الدولة بشأنك وإهمالهم أمرك " فلم يعد إلى ذكرها بعد ذلك. وتوفي الشيخ الإمام العالم نور الدين علي بن عمر بن حسن بن حسين بن علي بن صالح الجرواني الأصل ثم التلواني الشافعي الفقيه العالم المشهور في يوم الاثنين ثالث عشرين ذي القعدة. وكان أصله من بلاد الغرب وسكن والده جروان وهي قرية بالمنوفية من أعمال القاهرة بالوجه البحري فولد له بها ابنه نور الدين هذا بعد سنة ستين وسبعمائة فنشأ بجروان ثم انتقل إلى تلوانة من قرى المنوفية فعرف بالتلواني. ثم قدم القاهرة وطلب العلم ولازم شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني حتى أجازه بالفتوى والتدريس. فتصدى الشيخ نور الدين من تلك الأيام للإقراء والتدريس وانتفع به جماعة من الطلبة وتولى عدة وظائف دينية وتداريس عديدة منها مشيخة الركنية ثم تدريس قبة الشافعي بالقرافة. وكان دينًا خيرًا جهوري الصوت صحيح البنية وله قوة وفيه كرم وإفضال وهمة عالية رحمه الله تعالى. وتوفي الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن عمار بن محمد بن أحمد أحد علماء المالكية في يوم السبت رابع عشر ذي الحجة وقد أناف على السبعين بعد أن أفتى ودرس عدة سنين رحمه الله تعالى. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ستة أفرع وأربعة أصابع. مبلغ الزيادة عشرون ذراعًا وأحد وعشرون إصبعًا. السنة الرابعة من سلطنة الظاهر جقمق وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح داؤد ابن الخليفة المتوكل على الله أبي عبد الله محمد ابن الخليفة المعتضد بالله أبي بكر ابن الخليفة المستكفي بالله أبي الربيع سليمان ابن الخليفة الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن حسين بن أبي بكر بن علي بن الحسين ابن الخليفة الراشد بالله منصور ابن الخليفة المقتدي بالله عبد الله ابن الأمير ذخيرة الدين محمد ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله ابن الخليفة القادر بالله أحمد ابن الأمير الموفق ولي العهد طلحة ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد بالله هارون ابن الخليفة المهدي بالله محمد ابن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي العباسي المصري في يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول بعد مرض تمادى به أيامًا وحضر السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه بمصلاة المؤمني ودفن بالمشهد النفيسي. وكانت خلافته تسعة وعشرين سنة وأيامًا وتولى الخلافة من بعده أخوه شقيقه المستكفي بالله سليمان بعهد منه إليه. وكان المعتضد خليقًا للخلافة سيد بني العباس في زمانه أهلًا للخلافة بلا مدافعة. وكان كريمًا عاقلًا حليمًا متواضعًا دينًا خيرًا حلو المحاضرة كثير الصدقات والبر. وكان يحب مجالسة العلماء والفضلاء وله مشاركة مع فهم وذكاء وفطنة. وقد أوضحنا وتوفي الشيخ محب الدين بن الأوجاقي الحنفي في يوم الاثنين ثالث عشرين شهر رجب بعد مرض طويل وكانت لديه فضيلة وفيه تدين وخير وللناس فيه اعتقاد. وتوفي الشيخ الأديب المعروف بابن الزين بالوجه البحري في مستهل شهر ربيع الأول بعد أن مدح النبي صلى الله عليه وسلم بما ينيف على عشرة آلاف قصيدة قاله غير واحد. وتوفي الشيخ الإمام العالم المحدث المفنن عمدة المؤرخين ورأس المحدثين تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد البعلبكي الأصل المصري المولد والوفاة المقريزي الحنفي ثم الشافعي هذا ما نقلناه من خطه وأملى علي نسبه الناصري محمد ابن أخيه بعد وفاته إلى أن رفعه إلى علي بن أبي طالب من طريق الخلفاء الفاطميين وذكرناه في غير هذا المصنف - انتهى. وكانت وفاته في يوم الخميس سادس عشر شهر رمضان ودفن من الغد بمقابر الصوفية خارج باب النصر. ووهم قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني في تاريخ وفاته فقال: في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شعبان - انتهى. سألت الشيخ تقي الدين رحمه الله عن مولده فقال: " بعد الستين وسبعمائة بسنيات ". وكان مولده بالقاهرة وبها نشأ وتفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة وهو مذهب جده لأمه الشيخ شمس الدين محمد بن الصائغ الحنفي ثم تحول شافعيًا بعد مدة لأمر اقتضى ذلك واشتغل على مذهب الشافعي وسمع الكثير على عدة مشايخ ذكرنا أسماء غالبهم في ترجمته في " المنهل الصافي " مع مصنفاته باستيعاب يضيق هذا المحل عن ذلك. وكان الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى إمامًا بارعًا مفننًا متقنًا ضابطًا دينًا خيرًا محبًا لأهل السنة يميل إلى الحديث والعمل به حتى نسب إليه مذهب الظاهر. وكان فيه تعصب على السادة الحنفية بغير لباقة يعرف ذلك من مصنفاته. وفي الجملة هو أعظم من رأيناه وأدركناه في علم التاريخ وضروبه مع معرفتي لمن عاصره من علماء المؤرخين والفرق بينهم ظاهر وليس في التعصب فائدة. وتوفي قاضي الإسكندرية جمال الدين عبد الله بن الدماميني المالكي الإسكندري بها في يوم الأحد رابع ذي القعدة. وكان مشهورًا بالسماحة إلا أن بضاعته من العلوم كانت مزجاة. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم عشرة أفرع ونصف. مبلغ الزيادة عشرون ذراعًا وخمسة عشر إصبعًا. وكان الوفاء سادس عشرين أبيب. وهي سنة ست وأربعين وثمانمائة. وفيها توفي الشيخ الإمام العالم العامل العلامة نور الدين عبادة بن علي بن صالح بن عبد المنعم بن سراج بن نجم بن فضل الزرزاوي الفقيه المالكي المعروف بالشيخ عبادة شيخ السادة المالكية وعالمها بالديار المصرية في يوم الجمعة سابع شوال وصلى عليه صاحبه الشيخ مدين بجامع الأزهر. ومات ولم يخلف بعده مثله علمًا ودينًا. وكان مولده في جمادى الأولى سنة ثماني وسبعين وسبعمائة ببلده زرزا. وطلب العلم وسمع الحديث واشتغل على علماء عصره حتى برع في الفقه والأصلين والعربية وأفتى ودرس واشتغل سنين كثيرة وانتفع به الطلبة. وسئل بالقضاء بعد موت العلامة شمس الدين البساطي المالكي فامتنع فألح عليه السلطان بالولاية وألزمه بها غصبًا فلما رأى تصمم السلطان على ولايته وأنه لا يستطيع دفعه قال: " حتى أستخير الله ". وفر من يومه من القاهرة واختفى ببعض الأماكن إلى أن ولى السلطان القاضي بدر الدين محمد بن التنسي فلما بلغه ذلك حضر إلى القاهرة بعد أيام كثيرة. وهذا شيء لم يقع لغيره في عصرنا هذا فإننا لا نعلم من سئل بالقضاء وامتنع غيره. وأما سواه فهم على أقسام: قسم يتنزه عن الولاية ويظهر ذلك حيلة حتى يشاع عنه ذلك فإذا طلب بعد ذلك للقضاء يأخذ في التمنع وفي ضمن تمنعه يشرط على السلطان شروطًا يعلم هو وكل أحد أنها لا تتم له وإنما يقصد بذكرها إلا نوعًا من الإجابة لكونه كان امتنع أولًا فلا يمكنه القبول إلا بهذه الدورة فلم يكن بمجرد ذكره للشروط إلا وقد صار في الحال قاضيًا ووقع ذلك لجماعة كثيرة في عصرنا. وقسم آخر: هم الذين يسعون في الولاية سعيًا زائدًا ويبذلون الأموال ويتضرعون لأرباب الدولة ويخضعون لهم وهيهات! هل يسمح لهم بذلك أم لا! فلله در الشيخ عبادة فيما فعل لأننا شاهدنا منه ما سمعناه عن السلف ورأينا من زهده وعفته ما ورثه عنه الخلف واستمر بعد ذلك سنين على حاله من ملازمة العلم والعمل إلى أن مات رحمه الله تعالى. وتوفي قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن العز البغدادي الحنبلي قاضي قضاة الحنابلة بالديار المصرية ثم بدمشق وبها مات في أواخر هذه السنة وتولى عوضه قضاء دمشق ابن مفلح على عادته أولًا. وكان القاضي عز الدين فقيهًا دينًا متقشفًا عديم التكلف في ملبسه ومركبه مع دهاء ومكر ومعرفة تامة. وقد مر من ذكره أنه لما ولي القضاء بالديار المصرية صار يمشي قي الأسواق لحاجته ويردف عبده على بغلته وأشياء من هذا النسق. وكانت جميع ولاياته من غير سعي. وكان يصحب الوالد واستمرت الصحبة بيننا إلى أن مات رحمه الله. وتوفي جمال الدين عبد الله أبن الحسن بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الدمشقي الأصل الأذرعي أخو الإمام شهاب الدين بالقاهرة في يوم الاثنين سابع عشر شوال وكان عاريًا من كل علم وفن. وتوفي الشيخ الواعظ جمال الدين السنباطي الشافعي أحد نواب الحكم بالقاهرة في يوم الخميس تاسع عشرين شهر رمضان بعد مرض طويل عن ثمانين سنة وكان يعمل المواعيد بالمساجد والجوامع وعلى وعظه أنس ورونق. وكان يقرأ أيضًا على الكرسي بين يدي صهري شيخ الإسلام جلال الدين عبد الرحمن البلقيني في صبيحة كل يوم جمعة فيقرأ ساعة ثم إذا سكت ابتدأ شيخ الإسلام في عمل الميعاد وكان هذا دأبه إلى أن مات رحمه الله تعالى. وتوفي الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله بن حسن بن محمد الأدكوي الأصل ثم الفوي كاتب سر الديار المصرية وناظر جيشها وخاصها والوزير بها ثم الأستادار ثم محتسب القاهرة في يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الأول ودفن بتربته بالصحراء بعدما كبر سنه واختلط عقله. وكان مولده بفوة من المزاحمتين في ليلة الثلاثاء ثالث عشر ربيع الأول سنة ست وستين وسبعمائة وبها نشأ. وتعلق على الخدم الديوانية فباشر في عدة جهات ثم انتقل إلى القاهرة ولا زال يترقى حتى ولي نظر جيش مصر ثم وزر بها ثم ولي الخاص كل ذلك في الدولة الناصرية فرج. ثم ولي الوزارة والخاص أيضًا في دولة الملك المؤيد شيخ. ثم صودر ونكب غير مرة. ثم ولي الأستادارية في دولة الملك الصالح محمد. ثم عزل وولي الخاص ثانيًا عوضًا عن مرجان الخازندار. ثم ولي الأستادارية ثانيًا في دولة الأشرف برسباي عوضًا عن ولده صلاح الدين محمد. وعزل عن نظر الخاص بالقاضي كريم عبد الكريم ابن كاتب جكم في أوائل جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة. وعزل بعد مدة وصودر هو وولده صلاح الدين. ثم ولي الأستادارية بعد سنين ثالث مرة فلم تطل مدته فيها وعزل ولزم داره سنين إلى أن ولي كتابة السر بعد موت ولده صلاح الدين فباشر وظيفة كتابة السر مدة يسيرة وعزله الملك الظاهر جقمق بصهره المقر الكمالي بن البارزي فلزم الصاحب بدر الدين بيته إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره. وكان شيخًا طوالًا ضخمًا حسن الشكالة مدور اللحية كريمًا واسع النفس على الطعام تأصل في الرئاسة وطالت أيامه في السعادة فصار هو وولده صلاح الدين من أعيان رؤساء الديار المصرية على أنه كان لا يسلم في كل قليل من مصادرة ومع هذا كان له أنعام وأفضال على جماعة كبيرة إلا أنه كانت فيه بادرة وخلق سيىء مع حدة مزاج وصياح في كلامه. وكان لا يتحدث إلا بأعلى صوته ولهذا مله الملك الأشرف برسباي وأبعده. وكان أكولًا أقصى وتوفي الأمير سيف الدير تغري بردي بن عبد الله البكلمشي المعروف بالمؤذي الدوادار الكبير في يوم الثلاثاء حادي عشر جمادى الآخرة بعد مرض طويل وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمني ودفن بتربة طيبغا الطويل الناصري حسن وطيبغا الطويل هو أستاذ بكلمش وبكلمش أستاذ تغري بردي هذا. ثم ترقى تغري بردي هذا بعد موت أستاذه حتى صار من جملة أمراء العشرات في الدولة الناصرية فرج ثم أمسك ولزم داره مدة إلى أن أنعم عليه بإمرة عشرة ضعيفة. ودام على ذلك دهرًا طويلًا لا يلتفت إليه في الدول حتى إنني أقمت سنين أحسبه من جملة الأجناد. ثم تحرك له سعد بعد سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة وغير السلطان الملك الأشرف أقطاعه بعد موت الأمير جوبان المعلم وخلع عليه باستقراره من جملة رؤوس النوب ثم لا زال يرقيه حتى صار أمير طبلخاناه ورأس نوبة ثانيًا فعند ذلك أظهر ما كان خفيًا من لقبه بالمؤذي فلله در القائل: " الظلم كمين في النفس العجز يخفيه والقوة تظهره ". وصار إذا مسك العصاة في يده لا يزال يضرب هذا وينهر هذا والملوك تحب من يفعل ذلك بين يديهم فأنعم عليه بعد سنين بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية. ثم نقله الملك الظاهر جقمق إلى حجوبية الحجاب بعد يشبك السودوني. ثم صار دوادارًا كبيرًا بعد عزل أركماس الظاهري كل ذلك ومن يوم ولي الدوادارية عظم وضخم ونالته السعادة وعمر مدرسة بالشارع الأعظم بالقرب من جامع ابن طولون وسار في الدوادارية على طريق السلف من الحرمه وإقامة الناموس لا في كثرة المماليك وجودة السماط. وكان يتفقه ويكتب الخط بحسب الحال ويعف عن المنكرات والفروج وعنده شجاعة وإقدام مع بخل وفحش في لفظه وجبروت وسوء خلق وحدة مزاج إلا أنه كان مشكور السيرة في أحكامه وينصف المظلوم من الظالم ولا يسمع رسالة مرسل كائن من كان فعد ذلك من محاسنه وكان رومي الجنس ويدعي أنه تركي الجنس رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين أيتمش بن عبد الله الخضري الظاهري برقوق أحد أمراء العشرات وأستادار وهو بطال في آخر ليلة السبت العشرين من شهر رجب ودفن بتربة الأمير قطلوبك بالصحراء بعدما تعطل ولزم داره سنين من بياض أصابه في جسده. وكان أصله من مماليك الظاهر برقوق ثم صار من جملة الدوادارية في الدولة الناصرية فرج ثم صار أمير عشرة في دولة الملك المؤيد شيخ ثم أنعم عليه الملك الظاهر ططر بإمرة طبلخاناه فلم تطل مدته. ونفاه الملك الأشرف برسباي ثم شفع فيه بعد أشهر وأعيد من القدس إلى القاهرة وأنعم عليه بإمرة عشرة. ثم ولي الأستادارية فلم ينتج أمره وعزل عنها بعد أن باشر الأستادارية نحو الشهرين. واستمر أمير عشرة على عادته إلى سنة نيف وثلاثين فابتلي في جسده بالبياض بحيث كان يستره بالحمرة فأخرج الملك الأشرف إقطاعه ورسم له بلزوم داره فصار يتردد إلى الجامع الأزهر وكان يسكن بدار بشير الجمدار بالأبارين بالقرب من الجامع المذكور ويحضر الدروس ويشوش على الطلبة ويسأل الأسئلة التي لا محل لها من الدرس الذي هم بصدده. وكان قليل الفهم وتصوره غير صحيح مع جهل مفرط وعدم اشتغال قديمًا وحديثًا فإن أجابه أحد من الطلبة بجواب لا يفهمه سفه عليه وإن سكت القوم ازدراهم ووبخهم. وكان فصيحًا باللغة العربية على قاعدة العامة. وكان قبل تاريخه ناب في نظر الجامع الأزهر عن جرباش الكريمي قاشق ووقع له مع أهل الجامع أمور أيام توليته فلما زاد ذلك منه على الطلبة وبلغ الأشرف أمره رسم بنقلته من داره المذكورة وبسكنته بقرافة مصر فشفع فيه بعد أيام على أنه يسكن بداره ولا يدخل الجامع إلا في أوقات الصلوات. ولما سافر الملك الأشرف إلى آمد أخرجه إلى القدس بطالًا. ثم أعيد إلى القاهرة بعد عود السلطان من آمد ودام بها إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق فداخله في الأمور من غير أن يلي إمرة ولا وظيفة. وزاد وأمعن وصار يتكلم فيما لا يعنيه فغضب عليه الملك الظاهر جقمق ونفاه إلى القدس. ثم شفع فيه عديله الأمير إينال العلائي الناصري أعني الملك الأشرف فأعيد إلى القاهرة ولزم داره إلى أن سقط عليه جدار فغطاه فأخرج من تحته مغشيًا عليه فعاش بعده قليلًا ومات وهو في عشر السبعين. وكان من مساوىء الدهر طيشًا وخفة مع كثرة كلام في ما لا يعنيه ويخاطب الرجل بما يكره ويوبخ الشخص بما فيه من المعايب من غير أن يكون بينه وبين ذلك الرجل عداوة ولا صحبة وفيه بادرة وجرأة وإفحاش في اللفظ مع إسراف على نفسه. وفي الجملة إن بقاءه كان عارًا على بني آدم.
|